سورة يوسف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون} قال العلماء: لما اشتد القحط وعظم البلاء وعم ذلك جميع البلاد حتى وصل إلى بلاد الشام قصد الناس مصر من كل مكان للميرة وكان يوسف لا يعطي أحداً أكثر من حمل بعير وإن كان عظيماً تقسيطاً ومساواة بين الناس ونزل بآل يعقوب ما نزل بالناس من الشدة فبعث بنيه إلى مصر للميرة وأمسك عنده بنيامين أخا يوسف لأمه وأبيه وأرسل عشرة فذلك قوله تعالى وجاء إخوة يوسف وكانوا عشرة وكان مسكنهم بالعربات من أرض فلسطين والعربات ثغور الشام وكانوا أهل بادية وإبل وشياه فدعاهم يعقوب عليه الصلاة والسلام وقال بلغني أن بمصر ملكاً صالحاً يبيع الطعام فتجهزوا له واقصدوه لتشتروا منه ما تحتاجون إليه من الطعام فخرجوا حتى قدموا مصر فدخلوا على يوسف فعرفهم.
قال ابن عباس ومجاهد: بأول نظرة نظر إليهم عرفهم، وقال الحسن: لم يعرفهم حتى تعرفوا إليه وهم له منكرون يعني لم يعرفوه.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بين أن قذفوه في الجب وبين دخولهم عليه مدة أربعين سنة فلذلك أنكروه وقال عطاء: إنما لم يعرفوه لأنه كان على سرير الملك وكان على رأسه تاج الملك وقيل لأنه كان قد لبس زي ملوك مصر عليه ثياب حرير وفي عنقه طوق من ذهب وكل واحد من هذه الأسباب مانع من حصول المعرفة فكيف وقد اجتمعت فيه، وقيل إن العرفان إنما يقع في القلب بخلق الله تعالى له فيه وإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق ذلك العرفان في تلك الساعة في قلوبهم تحقيقاً لما أخبر أنه سينبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون فكان ذلك معجزة ليوسف عليه الصلاة والسلام فلما نظر إليهم يوسف وكلموه بالعبرانية كلمهم بلسانهم فقال لهم أخبروني من أنتم وما أمركم فإني قد أنكرت حالكم قالوا: نحن قوم من أرض الشام رعاة قد أصابنا من الجهد ما أصاب الناس فجئنا نمتار؟ قال يوسف لعلكم جئتم تنظرون عورة بلادي قالوا: لا والله ما نحن بجواسيس إنما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ كبير صديق يقال له يعقوب نبي من أنبياء الله تعالى قال وكم أنتم؟ قالوا كنا اثني عشر فذهب أخل لنا معنا إلى البرية فهلك فيها وكان أحبنا إلى أبينا قال: فكم أنتم الآن، قالوا: عشرة قال: وأين الآخر قالوا هو عند أبينا لأنه أخو الذي هلك لأمه فأبونا يتسلى به قال فمن يعلم أن الذي تقولون حق قالوا أيها الملك إننا ببلاد غربة لا يعرفنا فيها أحد قال فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين فأنا راض بذلك منكم قالوا إن أبانا يحزن لفراقه وسنراوده عنه قال فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني به فاقترعوا فيما بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف فخلفوه عنده.


قوله تعالى: {ولما جهزهم بجهازهم} يقال: جهزت القوم تجهيزاً إذا تكلفت لهم جهاز سفرهم وهو ما يحتاجون إليه في وجوههم والجهاز بفتح الجيم هي اللغة الفصيحة الجيدة وعليها الأكثرون من أهل اللغة وكسر الجيم لغة ليست بجيده. قال ابن عباس: حمل لكل واحد منهم بعيراً من الطعام وأكرمهم في النزول وأحسن ضيافتهم وأعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم {قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم} يعني الذي خلفتموه عنده وهو بنيامين {ألا ترون أني أوفي الكيل} يعني أني أتمّه ولا أبخس منه شيئاً وأزيدكم حمل بعير آخر لأجل أخيكم أكرمكم بذلك {وأنا خير المنزلين} يعني خير المضيفين لأنه كان قد أحسن ضيافتهم مدة إقامتهم عنده قال الإمام فخر الدين الرازي: هذا الكلام يضعف قول من يقول من المفسرين إنه اتهمهم ونسبهم إلى أنهم جواسيس ومن يشافههم بهذا الكلام فلا يليق به أن يقول لهم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين، وأيضاً يبعد من يوسف عليه الصلاة والسلام مع كونه صديقاً أن يقول لهم أنتم جواسيس وعيون مع أنه يعرف براءتهم من هذه التهمة لأن البهتان لا يليق بالصديق ثم قال يوسف {فإن لم تأتوني به} يعني بأخيكم الذي من أبيكم {فلا كيل لكم عندي} يعني لست أكيل لكم طعاماً {ولا تقربون} يعني ولا ترجعوا ولا تقربوا بلادي وهذا هو نهاية التخويف والترهيب لأنهم كانوا محتاجين إلى تحصيل الطعام ولا يمكنهم تحصيله إلا من عنده فإذا منعهم من العود كان قد ضيق عليهم فعند ذلك {قالوا} يعني إخوة يوسف {سنراود عنه أباه} يعني سنجتهد ونحتال حتى ننزعه من عنده {وإنا لفاعلون} يعني ما أمرتنا به.
قوله عز وجل: {وقال لفتيانه} يعني: وقال يوسف لفتيانه وهم غلمانه وأتباعه {اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} أراد بالبضاعة ثمن الطعام الذي أعطوه ليوسف وكانت دراهم وحكى الضحاك عن ابن عباس أنها كانت النعال والأدم والرحال جمع رحل وهي الأوعية التي يحمل فيها الطعام وغيره {لعلهم يعرفونها} يعني يعرفون بضاعتهم {إذا انقلبوا إلى أهلهم} يعني إذا رجعوا إلى أهلهم {لعلهم يرجعون} إلينا واختلفوا في السبب الذي من أجله رد يوسف عليه الصلاة والسلام عليهم بضاعتهم فقيل إنه إذا فتحوا متاعهم ووجدوا بضاعتهم قد ردت إليهم علموا أن ذلك من كرم يوسف وسخائه فيبعثهم ذلك على الرجوع إليه سريعاً وقيل إنه خاف أن لا يكون عند أبيه شيء آخر من المال لأن الزمان كان زمان قحط وشدة، وقيل: إنه رأى أن أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته لؤم لشدة حاجتهم إليه وقيل أراد أن يحسن إليهم على وجه لا يلحقهم فيه لوم ولا عيب، وقيل أراد أن يريهم بره وكرمه وإحسانه إليهم في رد بضاعتهم ليكون ذلك أدعى إلى العود إليه، وقيل: إنما فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم وأمانتهم تحملهم على رد البضاعة إليه إذا وجدوها في رحالهم لأنهم أنبياء وأولاد أنبياء وقيل أراد برد البضاعة إليهم أن يكون ذلك عوناً لأبيه ولإخوته على شدة الزمان.


{فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا} إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة عظيمة لو كان رجلاً من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته فقال لهم يعقوب إذا رجعتم إلى ملك مصر فاقرؤوا عليه مني السلام وقولوا له إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ثم قال لهم أين شمعون قالوا ارتهنه ملك مصر عنده وأخبروه بالقصة ثم قالوا يا أبانا {منع منا الكيل} وفيه قولان:
أحدهما: أنهم لما أخبروا يوسف بأخيهم من أبيهم طلبوا منه الطعام لأبيهم وأخيهم المتخلف عند أبيهم فمنعهم من ذلك حتى يحضر فقولهم منع منا الكيل إشارة إليه وأراد بالكيل الطعام لأنه يكال.
والقول الثاني: إنه سيمنع منا الكيل في المستقبل وهو إشارة إلى قول يوسف فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون وقال الحسن يمنع منا الكيل إن لم نحمل معنا أخانا وهو قوله تعالى إخباراً عنهم {فأرسل معنا أخانا} يعني بنيامين {نكتل} قرئ بالياء يكتل لنفسه وقرئ بالنون يعني نكتل نحن جميعاً وإياه معنا {وإنا له لحافظون} يعني نرده إليك فلما قالوا ليعقوب هذه المقالة {قال} يعني يعقوب {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} يعني كيف آمنكم على ولدي بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم وإنكم ذكرتم مثل هذا فكيف يحصل هاهنا ثم قال {فالله خير حافظاً} يعني أن حفظ الله خير من حفظكم له ففيه التفويض إلى الله تعالى والاعتماد عليه في جميع الأمور {وهو أرحم الراحمين} وظاهر هذا الكلام يدل على أنه أرسله معهم، وإنما أرسله معهم وقد شاهد ما فعلوا بيوسف لأنه لم يشاهد فيما بينهم وبين بنيامين من الحقد والحسد مثل ما كان بينهم وبين يوسف أو أن يعقوب شاهد منهم الخير والصلاح ولما كبروا فأرسله معهم أو أن شدة القحط وضيق الوقت أحوجه إلى ذلك.
قوله تعالى: {ولما فتحوا متاعهم} يعني الذي حملوه من مصر فيحتمل أن يكون المراد به الطعام أو أوعية الطعام {وجدوا بضاعتهم ردت إليهم} يعني أنهم وجدوا في متاعهم ثمن الطعام الذي كانوا قد أعطوه ليوسف قد رد عليهم ودس في متاعهم {قالوا يا أبانا ما نبغي} يعني ماذا نبغي وأي شيء نطلب وذلك أنهم كانوا قد ذكروا ليعقوب إحسان ملك مصر إليهم وحثوا يعقوب على إرسال بنيامين معهم فلما فتحوا متاعهم ووجدوا بضاعتهم قد ردت إليهم قالوا أي شيء نطلب من الكلام بعد هذا العيان من الإحسان والإكرام أوفى لنا الكيل ورد علينا الثمن، وأرادوا بهذا الكلام تطييب قلب أبيهم {هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا} يقال مار أهله يميرهم ميراً إذا حمل لهم الطعام وجلبه من بلد آخر إليهم والمعنى إنا نشتري لأهلنا الطعام ونحمله إليهم {ونحفظ أخانا} يعني بنيامين مما تخاف عليه حتى نرده إليك {ونزداد كيل بعير} يعني ونزداد لأجل أخينا على أحمالنا حمل بعي من الطعام {ذلك كيل يسير} يعني إن ذلك الحمل الذي نزداد من الطعام هين على الملك لأنه قد أحسن إلينا وأكرمنا بأكثر من ذلك وقيل معناه أن الذي حملناه معنا كيل يسير قليل لا يكفينا وأهلنا.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12